Normal 0 false false false EN-GB X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

مم /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني /التجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة /صفائي /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي /الهندسة بأفرعها /لغة انجليزية2ث.ت1. /مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق /عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ /فيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق /فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات / /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني ثانوي.ت1. /ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث  ///بيسو /مدونات أمي رضي الله عنكي /نهاية العالم /مدونة تحريز نصوص الشريعة الإسلامية ومنع اللعب باالتأويل والمجاز فيها /ابن حزم الأندلسي /تعليمية /أشراط الساعة /أولا/ الفقه الخالص /التعقيبات /المدونة الطبية /خلاصة الفقه /معايير الآخرة ويوم الحساب /بر الوالين /السوالب وتداعياتها

فهرس المؤلفين:اإآأبتثجحخدذرزسشصضط ظعغفقكلمنهـوي

Translate ترجم للغة التي تريدها بسي

الخميس، 22 ديسمبر 2022

الكتب والتشريح والحيوان للجاحظ ورسالة العلم

 

الكتب /الحكم في أصول الكلمات العامية/للدكتور أحمد عيسى
من العجيب أن الذين أجدوا على العربية وخدموها أجل الخدمات، ليسوا من أولئك الذين ربطوا أنفسهم بدراستها، وأفنوا أعمارهم بحثاً في أصولها وفروعها، ونحوها وصرفها، ولكنهم جماعة ابتدءوا حياتهم بدراسة لعلها آخر ما يتصل بالثقافة اللغوية، ثم دفعتهم الرغبة النفسية الخالصة فخاضوا لجج البحث اللغوي، وأمعنوا في دراسة فقه العربية وأصولها ومفرداتها فخدموا لغتهم وأمتهم خدمة أقل ما يقال فيها أن مجمع اللغة بجاهه وماله لم يبلغها في شيء. ولعل في طليعة أولئك الباحثين الهواة (كما يقولون) الدكتور أحمد عيسى بك، فهو طبيب نابه في مهنته، ثم هو باحث معروف في اللغة، وقد أخرج في خدمتها مؤلفات قيمة، آخرها ذلك الكتاب: (المحكم في أصول الكلمات العامية
ووضع الدكتور الباحث كتابه هذا ليثبت به كما يقول: أن اللغة العامية التي نتكلمها الآن في مصر ليست بعيدة كل البعد عن العربية الفصحى، وهو تبتعد عن الفصحى في شيئين: الإعراب وتركيب الحروف، على أن أكثر الكلمات العامية التي ينفر منها الذوق الآن ويستنكرها الحس إنما كانت من أفصح الألفاظ العربية، وإن كثيراً منها قد استعملت فيه المجازات اللطيفة والاستعارات المستملحة التي تعد من أرقى أساليب الفصاحة في الكتابة والكلام.

ولا شك أن المؤلف قد استطاع أن يحقق رأيه بما جمعه وشرحه من المفردات العامية وردها إلى أصولها وبيان ما اعتورها من التحريف، وقد رتب سردها على حسب الحروف الهجائية، بذكر اللفظ العامي وبجانبه تفسيره عند العوام، ثم يأتي بالأصل الفصيح مبيناً ما فيه من الحقيقة والمجاز.

والمؤلف طبعاً لم يجمع كل الكلمات المستعملة في لغة العامة ولكنه قد جمع منها ما استطاع أن يرده إلى أصوله في اللهجات العربية، ومنها ما رده إلى أصله في الفارسية واللاتينية والتركية والسريانية وغيرها من اللغات التي دخلت على لهجات المصريين. وقد قدم لذلك كله ببحث وافٍ في أسباب التحريف في اللغة وتعدد اللهجات والفصيح منها والمرذول، ومخالطة العرب الأعاجم وتحديد الصلة بين العامية المصرية واللغة العربية، وكل هذا بأسلوب سهل مهذب، ودقة علمية فاحصة فجاء كتابه نافعاً لا للمعنيين باللغة فحسب! بل لكل أديب وطالب وقارئ.

تاريخ الطب في العراق

للدكتورين هاشم الأثري ومعمر خالد الشابندر

أشترك في تأليف هذا الكتاب الدكتور هاشم الأثري عميد الكلية الطبية العراقية من قبل، والدكتور معمر خالد الشابندرالمتخرج في تلك الكلية، وهو بحث تاريخي متصل، يتناول سير الثقافة الطبية، والأدوار التي اجتازتها في ربوع الرافدين منذ أيام العباسيين حتى تأسيس الكلية الملكية في العصر الحاضر

والكتاب في موضوعه لا يقف عند الناحية الطبية، ولكنه صورة رائعة لتاريخ العراق العلمي والعمراني، فقد قسم المؤلفان كتابهما إلى ستة فصول: الفصل الأول في الكلام عن موقع بغداد التاريخي، وما كان لها من جد ومجد، وما انتابها من الحوادث والكوارث؛ والفصل الثاني عن اتصال العراق بالثقافة الطبية ومدى ما بلغته في ذلك؛ والفصل الثالث يتناول الأحوال الطبية في العهد التركي؛ والرابع في توحيد المستشفيات والمعاهد الصحية وتوسيع المستشفى الملكي وتقدمه؛ والفصل الخامس في مشروع الكلية الملكية والفكرة في إنشاءها؛ والفصل السادس في تأسيس الكلية ومنهاجها وأساتذتها ونواحي الدراسة فيها

ولقد اعتمد المؤلفان الفاضلان في سرد الوقائع التاريخية على المراجع الصحيحة، والروايات البعيدة عن زيف الشكوك والأوهام، والمشافهة من الشيوخ الثقاة، وقد حرصا على الترجمة لأشهر أطباء والمترجمين العرب الذين أقاموا أساس الطب في العراق، والتعريف بكثير من المدارس والمعاهد والمستشفيات، كما حرصا على نشر كثير من الصور والرسوم للمعالم والشخصيات فجاء بحثهما وافياً من جميع جهاته، وخدمة جليلة نحو وطنهم ونحو بغداد العظيمة جنة الدنيا في القديم، ومحط العلم والعرفان، ومجمع العلماء والدارسين من أقطار الأرض وأقاصي المعمور.

ساعات في الجحيم للأديب يوسف عيسى البندك

(هذه شعل من اللهب الأحمر، فيها وصف لرجعية المجتمع الشنيعة، وفيها نقد لنظم الحياة الوحشية، ثم فيها تصوير لآلام الجماهير التي تقاسي أهوال الاستبداد والظلم، وتهرق دماءها جزافاً إرواء الجشع الرأسمالية المكتم أن تغرق الإنسانية في طوفان من النار)

بهذه الكلمات قدم الأديب يوسف عيسى البندك كتابه (ساعات في الجحيم)، وأنها لكلمات تحمل في أطوائها الفكرة التي عالجها المؤلف الفاضل بشعور ملتهب، وعاطفة فياضة، وثورة عنيفة على النظم المرهقة التي يدعمها الاستعمار والرجعية والجمود والتعصب، ولقد حاول المؤلف أن يسوق أفكاره مساق القصة، وأن يمزج الحقيقة بالخيال حتى تكون قريبة سائغة، ولكنا لا نستطيع أن نقبل كتابه على أنه قصة لها خصائصها ومميزاتها، إذ تنقصه الحبكة الفنية، وقوة الحوار والسرد القصصي

وأسلوب المؤلف أسلوب ملتهب، أسلوب أديب تفيض نفسه بحب الطبيعة وحب الحرية، على أنه يتهاون كثيراً بحق اللغة، وهو حق تجب العناية به، فإن الفكرة لا يمكن أن يتميز بها الفنان إلا إذا أظهرها في لبوس فن له روعته وله تأثيره

البلبل

للأديب حسين عفيف

هذه قصة، أو كما يقول المؤلف (شبه قصة) في مقطوعات غرامية من صنيع الخيال. ومؤلف هذه القصة الأديب حسين عفيف كاتب له أسلوب شعري يفيض بالموسيقى والعاطفة، وله قراء يتلهفون عليه، ويطيرون به

وأسلوب المؤلف أسلوب يشيع فيه التقديم والتأخير، ويقول حضرته: (إنه يلتزم ذلك وفقاً لما تقتضيه رغبة إشاعة النغم فيه) والواقع أن للبلاغة العربية قواعد مقررة، وهذه القواعد تحتم على الكاتب مراعاة الدقة في الأداء، ولكن هذه الدقة لا اعتبار لها في تقدير المؤلف، فكثيراً ما يغرق في تقديمه وتأخيره حتى من غير أن يكون هناك نغم ينشده، بل كثيراً ما يخل بقواعد العربية في سبيل ذلك فيقدم الصفة على الموصوف!

إن الكاتب الأسلوبي يجب عليه أن لا يكتب للإفهام فحسب، بل للتأثير الذي هو غاية البلاغة وروحها، ولن يكون التأثير إلا بمراعاة الدقة والقوة والجزالة؛ فإذا كان المؤلف الفاضل يريد أن يظهر بين الكتاب بأسلوبه، فليؤد له ما يجب من قوة الأداء، ودقة الصياغة، وسلامة التعبير، حتى يتم له الكمال، والنغم ليس كل ما هنالك من خصائص الأسلوب، كما أن الدنيا ليست كلها أشجاناً وآلاماً، فلا ينبغي أن تكون أنغام قيثارته كلها على هذا النحو.

م. ف. ع

========

كتاب التشريح المرضي والجنائي

تأليف الدكتور محمد زكي شافعي

بقلم الدكتور محمد الرافعي

لا أسهل في العلوم من اختصارها، ولا أيسر من إخراج الكتاب الضخم محصلاً في جزء لطيف. وقد كانت هذه طريقة علمائنا المتقدمين؛ فليس من كتاب ذي خطر إلا وقد اختصروه مرة أو مراراً، يريدون إما تقريبه من الأذهان وإما حصر فوائده، وإما جعله كالمذكرات. وقد يعجز بعض العلماء عن التأليف ويريد مع ذلك أن يكون مؤلفاً فيجد مادته من الكتب المطولة يؤلف منها ما يسميه المختصر أو الموجز أو نحو ذلك. وهذا كله سهل، بل بعضه أسهل من العبث إلا في الطب، وخصوصاً حين يكون الاختصار في فرع من فروعه التي اختص بها علماؤها كهذا الكتاب الذي نحن بصدده.

إن وضع كتاب مختصر في فرع من الفروع الطبية وخصوصاً باللغة العربية هو عمل من أشق الأعمال، وأدقها إذا أريد أن يكون الكتاب مع اختصاره وافياً في موضوعه، محققاً لفائدة الأصل المطوَّل، جامعاً لفوائد جديدة تعطي الكتاب حكم التأليف مع تسميته المختصر. وما دام الطب شرحاً للجسم المعجز في تركيبه وأعماله ودقائقه المحيرة للعقول؛ فالتأليف فيه لا ينتهي، واختصار المؤلفات فيه لا يكاد يوفق إليه إلا النوابغ المحيطون أوسع إحاطة، والمتمرنون تمريناً طويلاً، والمتتبعون لكل جديد.

ومن هؤلاء مؤلف كتاب (التشريح المرضي والجنائي) الدكتور محمد زكي شافعي، مدير المكتب الفني بمصلحة الصحة العمومية بمصر. وقد قال في مقدمة كتابه هذا: (لقد اشتغلت حوالي العشرين عاماً بالطب الشرعي، ولا أزال أعمل الآن مراجعة بعض الأعمال الخاصة به، وكثيراً ما استرعى نظري أن الحاجة ماسة أشد مساس إلى كتيب خاص بالتشريح المرضي والجنائي، يرجع إليه الطبيب الكشاف إذا أعوزه الأمر للإطلاع العاجل، فإنه كثيراً ما يجد نفسه في مأزق حرج، إذ يطلب إليه - وهو بعيد عن مراجعه - الفصل في مسائل فنية دقيقة الخطورة، يتوقف على الإجابة عليها مصير متهم قد يكون بريئاً.

ولقد كنت أشعر بهذه الحاجة في أثناء ممارستي التشريح، ولا سيما في الجهات التي أكون فيها بعيداً عن مراجعي، وكل الأطباء يدركون دقة هذا الموقف.

ولقد عرضت على زميلي (الدكتور لبيب شحاته) أن نعمل على سد هذا النقص، فوضعنا معاً هذا الكتاب، وتوخينا فيه أن يكون عملياً أكثر منه نظرياً، وجعلناه واضح العبارة، سهل المأخذ، حتى ينتفع به كل مشتغل بالطب الشرعي، وانتقينا أحدث المعلومات، وأرجحها قبولاً لدى جمهرة الأطباء الشرعيين ولذلك اضطرتنا الحال إلى الإطلاع على مراجع عديدة علاوة على المذكرات الشخصية).

ومع أن الكتاب كما يصفه حضرة مؤلفه فقد وقع في 490 صفحة، وبلغت المراجع التي اعتمد عليها واضعاه عشرين مرجعاً، يضاف إليها اختبار المؤلف وتحقيقه مدة عشرين سنة، وذلك فضلاً عن رجوعه في بعض مسائل كتابه إلى كثير من الأساتذة المختصين، بحيث جاء الكتاب عظيم الفائدة للمشتغل بالطب الشرعي، وللطبيب المشرح، ولمن يتصلون بالحوادث الجنائية من القضاة ورجال النيابة والمحامين فهؤلاء جميعاً يهتدون فيه إلى أدق المسائل الفنية بأيسر طريقة وأسرع وقت، ويصيب كل منهم غرضه الفني أو القضائي. وقلما يحتاج مع هذا الكتاب إلى الأصول المطولة إلا في التدريس، على أنه في التدريس ذو قيمة ثمينة إذا جعل للطالب كالتذكرة التي يدون فيها خلاصة علمه. هذا وإن ضم التشريح المرضي إلى التشريح الجنائي في كتاب واحد عمل فني بديع لم يُسبق إليه.

وأنا وقد درست هذا العلم على الفحول من رجاله في فرنسا، لا يسعني إلا أن أهنئ الدكتور محمد زكي شافعي، ومساعده الفاضل الدكتور لبيب شحاته بكتابهما وبما وفقا فيه، فهو توفيق يستحق التهنئة العلمية.

الدكتور محمد الرافعي

خريج جامعة ليدن بفرنسا

لباب الآداب لابن منقذ

تحقيق وتعليق الأستاذ أحمد محمد شاكر

للأستاذ محمد بك كرد علي بنو منقذ أصحاب قلعة شيزر من عمل حماة في الشام كانوا معروفين على عهد الحروب الصليبية بالفروسية والسياسة والأدب والأمارة، وقد خلد أسامة بن منقذ (488 - 584 هـ) أحد رجال هذا البيت بأدبه ذكر آله في التاريخ. ولما طبع له العلامة درنبرغ كتاب (الاعتبار) في سنة 1884م بمدينة ليدن في هولاندة اشتهر أسامة بين الأدباء في الشرق والغرب، لما حوى كتابه من أخبار البطولة والشجاعة، ولأنه صُنّف على غير مثال. وقد طبع له درنبرغ أيضاً كتاب العصا وغيره في باريز، وعُني بجمع أخباره بالفرنسية وخدمه وأولع به.

والآن طبع الأديب لويس سركيس في القاهرة كتاب (لباب الآداب) لأسامة أيضاً، وتولى تحقيقه والتعليق عليه الأستاذ أحمد محمد شاكر، وحلاّه بفهارس الأعلام وأيام العرب والأماكن والقوافي، وشكله تقريباً بالشكل الكامل، فقرّب فوائده من يد المستفيد، وأضاف إلى ما طبع من كتب الأدب القديم سفراً آخر قال في وصفه إنه من أجود كتب الأدب، وإن فيه أقوالاً من نثر ونظم لم يجدها في كتاب غيره من الكتب المطبوعة.

قسم المؤلف كتابه إلى عدة أبواب فيها عظة وتعليم وأهداه لابنه الأمير مرْهِف، وجعل أبوابه في الوصايا والسياسة والكرم والشجاعة والآداب وكتمان السر والأمانة والتواضع وحسن الجوار والصمت وحفظ اللسان والقناعة والحياء والصبر والرياء والإصلاح بين الناس والتحذير من الظلم والإحسان وفعل الخير والصبر على الأذى ومداراة الناس وحفظ التجارب وغلبة العبادة والبلاغة. وهناك فصول من كلام رسول الله والصحابة وغيرهم، ومن كلام سليمان الحكيم وبرسين الحكيم وأفلاطون، ونوادر فيثاغورس وسيخانس، ومحاسن شعر الحكماء، وأبواب في المديح والتشبيه ومشي النساء والخفر والشيب والاعتذار والعتاب والمراثي والغزل والحكمة. يبدأ المؤلف كل فصل بآيات كريمة ويشفعها بما ورد من الأثر ثم الشعر ثم أقوال الحكماء في هذا المعنى.

وذكر المعلق على الكتاب أنه وقعت في طبعته هذه بعض أغلاط، مع كل ما عانى في تصحيحه، جاء بعضها سهواً منه، وبعضها من خطأ النظر، وبعضها من الأغلاط المطبعية التي لا يتنزه عنها كتاب. ونحن نقيم من كلامه هذا عذراً لكل من أحيا كتاباً للقدامى؛ وليس من الإنصاف أن يُحمل على كل من ارتكب خطأ من هذا القبيل بعد بذل الجهد، فقد تسرع الناظر في هذا الكتاب وقال (ص 26) إن كتاب العصا هو كتاب القضاء لا العصا، وليس في جريدة مؤلفات أسامة كتاب في القضاء وإنما هو كتاب العصا المطبوع. وذكر (ص 22) (الأمير معين الدين أنَر وزير شهاب الدين محمود) وليس في التاريخ الإسلامي من اسمه أنر، وإنما هو اتسنر وهي كلمة تركية معناها لا لحم له، أو الرجل الضَرْب الخفيف اللحم غير الجسيم. واتسنر هذا هو مملوك جد مجير الدين أرتق بن محمود ابن بوري بن طغتكين، وكان عاقلاً ديناً محسناً لعسكره (راجع كتابنا (خطط الشام) م2 ص 21). ومن ذلك في صفحة 192 (تباة البلد) قال ولعلها جمع تاب بوزن غاز وغزاة من قولهم تبا إذا غزا وغنم وسبى. ونحن أميل أن تكون (تُنّاة البلد) أي سكانه من تنأ تنوءاً أقام، ويقولون (الطراء والتناء) أي النزلاء والمقيمون وهي الأولى بالمقام.

وتسرع أيضاً (ص 28) ونقل ظن بعض أهل العلم أن كتاب (الأدب والمروءة) الذي نشرناه في مجلة المقتبس، ثم ضممناه إلى الطبعة الثانية من (رسائل البلغاء) في سنة 1331هـ 1913 هو لصالح بن عبد القدوس لا لصالح بن جناح كما ذكر ناشره أستاذنا العلامة الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله؛ قال (ولعله - أي صالح ابن عبد القدوس - أخفى نفسه بهذا الاسم في بعض الأوقات خوف الطلب). والحقيقة أن كتاب الأدب والمروءة هو لصالح بن جناح ترجم له ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق، فقال إنه صالح بن جناح اللّخمي الشاعر أحد الحكماء؛ حكى عنه أبو عثمان الجاحظ أنه ممن أدرك الأتباع بلا شك، وكلامه مستفاد في الحكمة. وقد أخذ عنه الجاحظ في نيسابور وقال عنه دمشقي؛ ونشر ابن عساكر طائفة من شعره الجميل. وبذلك انتفى ظن بعض أهل العلم أن كتاب الأدب والمروءة هو لصالح بن عبد القدوس بل هو لرجل عربي دمشقي ينسب إلى لخم من أتباع التابعين ومن أساتيذ عالم الأمة الجاحظ.

ومثل هاته الهنات المعدودة لا تقدح في كتاب طويل وقع في خمسمائة صفحة، الله أعلم كم قاسى ناشره من المتاعب حتى استخرجه من خطوط قديمة سقيمة. وليس لنا بعد هذا إلا الشكر نقدمه للأستاذ شاكر على عنايته وتجويده.

محمد كرد علي

===============

الحيوان للجاحظ

تحقيق وشرح الأستاذ عبد السلام محمد هارون

للأستاذ عبد المنعم خلاف

أقدم عملاً عظيماً في لون من ألوان الأدب العصري لم يوجد إلا بعد أن وجدت المطبعة، ووجدت بحوث المستشرقين وفن إخراج الكتب

وهو عمل يتصل بالعلم بما فيه من التحقيق وتحرير النصوص، ويتصل بالأدب بما فيه من ملكة التذوق والترجيح واستفتاء الثقافة الأدبية والاعتماد على المحفوظ المذكور من نصوصها، ويتصل بالفن بما فيه من تنسيق وتبويب وإخراج جميل يروع ويجذب العين واليد إلى الكتاب

وكاد هذه العمل يكون خاصة موقوفة لأقلام علماء المشرقيات الأجانب لولا نفر قليل من المشارقة أنفسهم ساهموا بأقلامهم في هذا العمل النافع القيم الذي هو في الحق ميلاد جديد للكتب القديمة تهتز له عظام مؤلفيها القدامى غبطة بتسهيل الانتفاع بما تركوا من آثار جليلة قد يذهب بما فيها من الفائدة عند شباب هذا الزمان أنها ألفت على غير ما ألفوا من الكتب الحديثة المبوبة التي يعلن فيها كل مبحث عن نفسه في سهولة واقتراب إلى الأذهان التي لم تتعود الصبر والجلد على التعرف إلى الآثار القديمة لانقطاع الأسباب وبعد الزمن وتغير الأساليب وكثرة الملاهي وحب السرعة، ومرض الهمة وكلال العزيمة

وإذ أقدم هذا العمل العظيم أشعر في نفسي بغبطتين: الأولى غبطتي ببعث مكتبة الجاحظ أديب العربية العباسية الأكبر، ووارث علوم علمائها وأدب أدبائها وخفة ظرفائها، وسجل دنياها الزاخرة، ومصور حياتها المتشبعة، بعث فيه من الجدة والفن والطرافة ما يخيل إلينا أنها انحسرت عنها قريحة معاصرة

والثانية غبطتي بأن هذا البعث كان على يد صديقي الثبت الضليع الأستاذ عبد السلام محمد هارون الذي أعرفه كما اعرف نفسي إذ كان صديقي الأول وصنوي في عهد الدراسة العزيز وأخشى أن يحسب حاسب أنه قد طغى وثوقي بهذه الشخصية وحبي لها على تقدير عملها في (الحيوان) تقديراً بعيداً عن الغلو، كما أخشى أن يظن ظان أن الأمر في هذا التقديم مرجعه إلى (توريط) الصداقة وتقريظ الأصدقاء بعضهم بعضاً. وحسب ذاك الحاسب وهذا الطغيان أن يرجعا إلى الجزء الذي طبع من الحيوان ليريا المجهود فيعرفا الشخص الذي بذله كما عرفته أنا منذ خمس عشرة سنة أدبياً متصلاً بصميم الأدب العربي مقلباً يده وعينه في مراجعه القريبة والبعيدة ممتلئاً من حُر نصوصه.

وإذا كانت الأمور تقاس وتقدر بما يبذل فيها من مجهود له نتيجته النافعة فأظن أن ما في المطبوعة الحديثة من الحيوان من التحقيقات وتحرير النصوص وفهارس المعارف وأجناس الحيوان وأعلامه وأعلام الناس والقبائل والطواف والبلدان والأماكن والأمثال والشعر والأرجاز واللغة والكتب وأيام العرب، أظن هذا كله عملاً أشق وأنفع من كثير من الكتب التي يرسلها مؤلفوها إرسالاً سهلاً. وأظن أنه يستتبع تقدير صاحبه تقديراً ترضى به نفسه. وقد صار العلم الآن بما في الكتب القديمة سهل المورد بأمثال هذه الفهارس التي تنفض ما في الكتب نفضاً، وتعلن عن كل كلمة فيها إعلاناً عريضاً يأخذ بعيون الباحثين إلى ما يلقون من الأشباه والنظائر والمختلفات، مما يوفر عليهم الجهد والوقت والاستذكار، حتى لقد شاعت هذه الكلمة (أن العلم الآن معرفة ما في الفهارس)

وقد ابتدع الأستاذ هارون فهرساً قيماً لما في الحيوان من المعارف التي وضع لها هو أيضاً عنوانات فصلت أثناء الكتاب، وهو لون طريف في التعريف بما ورد في الكتاب حشوا في غيره، مما قد يمر عليه القارئ عفواً بدون ترقب ولا تعقب؛ وهو عمل عظيم في كتب شأن مؤلفيها الاستطراد وإلقاء ما في الذاكرة متى حضر ولو بدون مناسبة قريبة، وإنما هو جود الذاكرة.

والأوائل كانوا على رأي في الأدب هو انه الإلمام من كل شيء بطرف، ولذلك كانوا يخرجون كتبهم الأدبية إخراجاً يرضي هذا التعريف. فكانت كتبهم الغالبة أشبه شيء بحديث المجالس وأماليها. غير أن هذا اللون من التأليف نبأ عنه الذوق العصري الذي لا يرضي من المعارف إلا ما كان فصائل وأجناساً مضموماً بعضها إلى بعض مميزة بعنوانات تضم الشتيت كما يضم اللقب الأسرة، ولا يرضي أن يذهب فكر القارئ شعاعاً وبدداً هنا وهناك وقت القراءة.

وعلى ذلك كل عمل يرشد القارئ الجديد إلى ما يبحث عنه في بطون الأسفار القديمة رأساً بدون اضطراره إلى الخوض في بحر لا ساحل له، وفي مباحث لا حاجة له إليها، فهو عمل من أعظم ما يربط أسباب الجديد بالقديم ويجلو الدرر المدفونة بين طيات الكتب التي فيها كثير من الحصا والتراب.

وقد قدم الأستاذ هارون (مكتبة الجاحظ) التي (سيعمل جهده على إخراج ما يمكن منها بعون الله ما مد له في الحياة) تقديماً بديعاً تحدث فيه عن بيان الجاحظ وعصره والتأليف في عصره ومؤلفات الجاحظ ومنحاه في التأليف وقيمة كتبه في نوادي الأدب وذيوعها ووراقيها. وقد أتى في هذا الحديث بفوائد ممتعة.

وقد قدم كذلك كتاب الحيوان تقديماً خاصاً عرض فيه لمنشأ التأليف في الحيوان عند العرب ولمراجع الجاحظ في تأليف كتابه من القرآن والحديث والشعر العربي وكتاب الحيوان لأرسطو ومحاولات المعتزلة وجدالهم فيما بين أيديهم من ألوان المعارف جليلها ودقيقها؛ ثم المجهود الشخصي للجاحظ وولوعه بمباحث الحيوان ولوعاً حمله على أن يجالس الملاحين وصائدي العصافير والحوائين وغيرهم من القائمين على شؤون الحيوان. وهو لعمر الحق مبحث في غاية النفاسة وفي صميم الأدب الأصيل اهتدى إليه الأستاذ هارون ابتداء، لم يسبقه إليه سابق فيما أعلم. ومن المباحث القيمة أيضاً في هذا التقديم تحقيق زمن تأليف الجاحظ للحيوان وتبيين قيمة كتاب الحيوان بما فيه من المعارف الطبيعية والمسائل الفلسفية وسياسة الأقوام والأفراد ونزاع الطوائف، والمسائل الجغرافية وخصائص الأجناس وقضايا التاريخ وأحاديث الطب والأمراض والمفردات الطبية، وأحوال العرب وعلومهم ومزاعمهم، ومسائل كثيرة في الفقه والدين، مضافاً إلى ذلك كله فكاهة الجاحظ الساخر، أو فلتير الشرق - كما لقبه الأستاذ الزيات - واختياره للصفوة المختارة من حر الشعر العربي ونادره. . . إلى أخر ما تمتاز به مؤلفات أبي عثمان البحر. . .

(وبعد) فنظرة واحدة إلى صفحة من صفحات الكتاب بصلبها وهامشها تقف القارئ مباشرة على مقدار الجهد العنيف الذي بذله الأستاذ الصبور محقق الكتاب، في ضبط الألفاظ وشرحها وفي مقابلة النسخ القديمة التي اعتراها كثير من التصحيف والتحريف، وفي أمانته وحرصه على استئذان القارئ فيما أثبت أو نفى من أوضاع الكتاب وكلماته وتوجيهاته. مع تواضع جميل يعرف في طبعه كما يعرف في قوله من تقديم الكتاب: (وأما أنا فلست بمكان من يدعي العصمة أو يخال السلامة، فليس يكون ذلك إلا لمن ذهب عن نفسه وتعلق بالباطل

(ولكنني يعجبني أني بذلت فيه غاية الجهد وأني التزمت جانب الأمانة فلم أسقط حرفاً ولم أزد حرفاً إلا استأذنت القارئ)

ثم نظر أخرى إلى ثبت مراجع تقديم الكتاب وتحقيقه وشرحه ترى القارئ مقدار سعة اطلاع الأستاذ واهتدائه إلى مواطن القوى فيما يشتبه عليه من خبر أو نص أو توجيه وإلى ما يعتمد عليه في إخراج هذا السفر الجليل وما وراءه من مكتبة الجاحظ

فجزاه الله الكريم وأمتع به أصدقائه ونفع بجهوده الموفقة اللغة العربية

والشكر الجزيل لحضرات ناشري الكتاب في ثوبه الأنيق وورقه الفاخر وحروفه الواضحة

عبد المنعم خلاف


=====

الوضع الحقيقي لمشكلة

جابر بن حيان

للأستاذ أحمد زكي صالح

تقرير الأستاذ رسكا

يتساءل الأستاذ رسكا: كيف وأين نظمت وألفت هذه الكتب المنسوبة إلى جابر؟ هل هي أعمال فرد واحد أم من أعمال مدرسة؟ هل حدث تأليفها وتطوره وتقدمها في مدى وقت قصير أم انتشر على بساط قرن كامل؟ كل هذه أسئلة لا زالت أجوبتها غامضة، بل قل لا زالت غارقة في بحر من الغموض والإبهام.

وتلك النصوص التي نشرت بإشراف الأستاذ هوداس لا تكفي تماماً كي نصدر حكما صحيحاً على مميزات أدب جابر بن حيان الكيميائي.

ويجب أن أعترف أن (كتاب الرحمة) بمحاوراته المضحكة بين جابر بم حيان وجعفر الصادق ما هو في الحقيقة إلا قصة ملفقة، و (كتاب الملك) يفشي سر نفسه بنفسه حينما يرجع أصله إلى جعفر الصادق، وبعض النتائج يمكن استنتاجها في شأن (كتاب الموازين) لأنه عنوانات بعض أعمال أرسطو في المنطق التي ابتدأت معرفة العالم الإسلامي لها بعد أواخر القرن التاسع من الميلاد. ولكن إذا سلمنا بصحة نقد هذه الكتب الثلاثة، فهل يؤثر هذا بقليل أو كثير في المشكلة ككل؟ وبالأحرى هل يمكن أن نفصل المؤلفات الكيميائية مسلمين بأنها من عمل جابر عن قائمة الفهرست الثانية؟ أليس من المعقول أن مؤلف الكتب الكيميائية ينتمي إلى زمن وإلى بيئة مدرسية يختلفان كل الاختلاف عن هؤلاء الذين ألفوا الكتب الطبية والفنية والرياضية والإلهية؟

من الجلي الواضح أن ذلك الذي يستطيع الأخذ بيدنا إنما هو البحث خلال المخطوطات التي عثر عليها أخيراً، وإني لموفق إذ استطعت الحصول بمساعدة الأستاذ ماكس مايرهف لا على صورة للنصوص العربية للسبعين كتاباً التي ذكرها ابن النديم فحسب، بل أيضاً على بعض النصوص غير المعروفة ككتاب (السموم) و (الملك النوعي) وغيرها من المؤلفات التي جمعت لأجل (مجمع برلين للدراسات الطبيعية)

وهذه المؤلفات قد فتحت مدى أوسع في الأبحاث في هذا الموضوع لم يتحقق من قبل، فكتاب السموم أصبح اليوم أمنع من أن ينال هجوم، وهو يبين مقدار معرفة جابر الطبية، أما الفصول المتعددة من كتاب (الخواص النوعية) فيمكن النظر إليها على أنها مقتطفات من كتب مختلفة المقرر أن جابر كتبها في هذا الموضوع، ويمكن أن نقول إن كثيراً من البحث والاجتهاد يحتاج إليه ذلك الذي يريد الكشف عن حقيقة هذه المؤلفات والإجابة على السؤال الآتي: كيف جاءت مؤلفي هذه الكتب فكرة نسبة هذه المؤلفات إلى الإمام جعفر الصادق أو تلميذه المدعى جابر. . . نقول إن الإجابة على هذا السؤال تقهقرت كثيراً. . .

وأولى الملاحظات التي يمكن استفادتها من نتائج أبحاث مجمع برلين في النصوص العديدة هي: أن ارتباط الحقائق المختصة بالكيمياء وعلم البحث عن الصنائع والطب لازم كما هو نفسه ولكنه لا يعين ولا يقدر الغرض الأخير لهذا الأدب؛ إذ أن كل التفاصيل العلمية إنما تتحرك في اتجاه مذهبي واحد، وأن المتأخرين هم الذين أعطوها المعنى والتحقيق. والسبب الفلسفي هو نقطة البدء في هذه المؤلفات كلها، وهذا السبب الفلسفي إنما ترجع إليه قيمتها، وكثيراً ما كان يتكرر بشكل يقيني في هذه الأعمال أن العلم لا يمكن أن يكون إلا إذا كانت هناك نظرية خاصة يضعها نصب عينيه. وهذه المشكلة تمت لأول وهلة لمشكلة السببية. وتبعاً لذلك فإن مفهوم (الميزان) الذي يعد من أهم مميزات مؤلفات جابر بن حيان، ونظرية الخصائص النوعية للأشياء المتعلقة بمدى التحول الكيميائي يعتمدان على أسس عددية دقيقة.

وربما لا يبدو هذا في الكيمياء الحديثة شيئاً يذكر، ولكن العجيب حقاً هو ذلك التيار الذي واظب عليه العقل البشري، واجتهاده في تبيان أن القانون الطبيعي إنما يعتمد في أساسه على أسس عددية ثابتة. ونحن أصبحنا اليوم، بعد هذه الأبحاث، نعتقد أنه نجح تماماً فيما كان يصبو إليه؛ فإن قانون الأعداد هذا في نظر جابر بن حيان يضع كل شيء في الوضع الحقيقي له في العالم.

ودراسة بعض النصوص التي ذكرت آنفاً تقودنا خطوة أخرى نحو الغرض الفلسفي للبحث لهذه الأعمال. أقول إن هذه الدراسة تقودنا خطوة أخرى حين تطلعنا على الصلات والعلاقات بين هذا الغرض الفلسفي وبين النظريات الجابرية في العلم الإلهي التي هي الغرض الفلسفي وبين النظريات الحقيقية لهذا الأدب الجابري.

فالنظريات العلمية التي احتوت عليها هذه المؤلفات قيل إنها ليست شيئاً آخر غير معلومات محمد (ﷺ) و (علي ابن أبي طالب) وأستاذ جابر (جعفر الصادق)، وهذه الخرافة تذهب إلى حد أنها تفسر بعض نصوص القرآن على ضوء الكيمياء كما ينسب لعلي بعض المحاضرات في موضوعات كيميائية، وفي بعض هذه النصوص يظهر بعض المذاهب التي تتفق تماماً وما تقول به فرقة الإسماعيلية من الناحيتين الفلسفية والعملية، ومن ثنايا أفكار هذه المدرسة الدينية التي رئيسها وإمامها وأستاذها الإمام جعفر، يمكن أن يفهم المعنى الكامن في نظريات جابر ابن حيان، وهذه الحقيقة تثبت عرضاً أي في كل هذه المؤلفات إنما ترجع أصولها إلى النصف الأخير من القرن التاسع أو النصف الأول من القرن العاشر للميلاد أي القرنين الثالث والرابع من الهجرة، أو قل في ذلك بلغ فيه الإسلام الذروة في هضم الفكر اليوناني، وهكذا يمكن أن ترد تلك الثروة العلمية والفكرية التي توجد في مؤلفات جابر بن حيان.

مناقشة رأي الأستاذ رسكا

الأستاذ رسكا في نقده لكتب جابر الثلاثة: الرحمة، الملك، الموازين، لا يحتاج لكثير عناية لتنفيذه، إذ أن رسكا يتناول الموضوع من ناحية سلبية بحتة، مثل الأستاذ رسكا في ذلك كمثل اثنين يتحاوران، بعد أن عرض أحدهما رأيه قال له الآخر كلا إنك مخطئ وتركه ومضى في طريقه، فهو لم يبين له لماذا هو مخطئ وما هو صواب هذا الخطأ، كذا الحال في نقد رسكا لهذه المؤلفات الثلاثة، فهو يقول إنها ليست لجابر بن حيان، فهل ينتظر منا الأستاذ رسكا أن نحني هاماتنا لرأيه سامعين طائعين مختارين؟ وحتى هبني سلّمت بصحة هذا النقد الضعيف فأي قيمة تكون له في إخراج هذه الكتب الثلاثة عن دائرة مؤلفات جابر الكيميائية وهي تبلغ سبعين مؤلفاً؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الأستاذ رسكا في القسم الثاني من كلامه ينحو نحو الجدليين، إذ أنه يلتجئ إلى أسلوبهم وأعني بذلك أسلوب (المعقول وغير المعقول).

إن الأستاذ رسكا عالم له أسلوب العلماء وطبعهم وروحهم ونحن لذلك نسمو به عن أسلوب الجدل، إذ أن العلم ليس أمامه معقول وغير معقول، إنما أمامه حقائق يسلم بها، أو لا يسلم بها، حقائق يبرهن على وجودها أو يبرهن على عدم وجودها، فالقول بأنه من المعقول أن تفصل كتب جابر الكيميائية عن غيرها قضية كاذبة علمياً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: هل نسى الأستاذ رسكا أن التفكير الإسلامي كان في هذه المرحلة الزمانية أو الفكرية تفكيراً عاماً شاملاً أي تفكير وأن التخصص في التفكير وفي البحث لم يعرف في الإسلام إلا بعد ذلك بقرن من الزمان على الأقل؟؟

أما القسم الثالث من رأيه وهو تفسير الانتحال لجابر بن حيان فهو تستعيره من أبحاث مجمع برلين، وسنتركه الآن ونعرض هذه الصورة بشكل أوسع لدى الأستاذ ب كراوس الذي كان مساعداً بهذا المجمع إذ ذاك.

رأي الأستاذ كرواس

يرى الأستاذ كراوس أن هذا الأدب العظيم يبين لنا كل ما درس في الإسلام من العلم اليوناني لا يمكن أن يكون بأية حال من عمل مؤلف واحد، ولا يمكن كذلك أن يصعد إلى النصف الثاني من القرن الثاني من الهجرة، إذ أن جميع الظواهر التاريخية تدلنا على أن هذا الشكل كان من إنتاج أخريات القرن الثالث الهجري وأوائل القرن الرابع.

وإن كتابات جابر بن حيان لتضع لنا بادئ ذي بدء أساس مشكلة دينية تاريخية، فكما أن الكيميائين القدماء قد اتجهوا إلى الأجنوزية المسيحية كذلك جابر يقدم في مؤلفاته العلمية أجنوزية الإسلام، ولم تكن آراء جابر ابن حيان كتلك الآراء الساذجة الأولية التي وجدت في محيط الشيعة في القرن الثاني من الهجرة، إنما كانت أقرب إلى تلك التي كان يتردد صداها في محيط غلاة الشيعة في القرن الثالث من هجرة الرسول. وهذه الآراء كانت ذات صبغة سياسية وثورية خطيرة عرضت الإسلام نفسه للخطر، إذ أن جابراً أعلن قرب قيام الإمام المنتظر الذي سيبطل حكم الإسلام ويحل محل القرآن نور العلم والفلسفة الإغريقيين، وكان محل عرض هذه الآراء هو نظريات جابر في مؤلفاته حيث عرض هذا الوحي الروحي الخالص الجديد والذي أوحى به الأئمة العلويون.

ووجهة نظر جابر بن حيان في العلم الإلهي تقترب من القرامطة الذين ابتدءوا يلعبون دورهم في العالم الإسلامي منذ سنة 260 هـ. ودرجات العلم مقسمة عنده نفس التقسيم الموجود عند القرامطة والإسماعيلية.

ونظرية امتداد الأمامية قد تقدمت بنفس الخطوات التي تقدمت بها الأمامية، فالأماميون يقسمون تاريخ العالم من حيث الوحي إلى مراحل سبع يكون آخرها بعث الإمام الجابري، وعلى ذلك فإن الأئمة الذي تبعوا علياً، حتى الإمام القائم الجديد يكون عددهن سبعة وعلى التوالي: الحسن والحسين ومحمد بين الحنفية وعلى بن الحسين بن محمد الباقر وجعفر الصادق وإسماعيل الإمام المنتظر أو القائم. ونحن نلاحظ أن جابراً في تعداده للائمة على عكس القرامطة والإسماعيلية لم يعتبر علياً إماماً من هؤلاء السبعة، وأن هذا السانيت، الذي يسمو عن الناتيك هو الذي يكون به تجسد الأئمة السبعة الأرضي، وفي هذه النظرية يقترب جابر من تلك التي يقول بها النصيرية الذين يعتقدون أن هناك ثلاثة أقانيم: (ع) أي علي، (م) أي محمد (س) أي سليمان، والسين في نظر جابر سابقة ومتقدمة على الميم، وفي هذا المذهب يسمى الإمام جعفر (بالإمام المجيد) أو (اليتيم) الذي له تفضيل على مباشر علي (ع) كما أن له الحظوة على (م)، (س). وهنا يقبل جابر القول بنظرية التجسد والتناسخ والأدوار، والإكرار، والنسخ، والفسخ، والمسخ.

وإن جابراً ليعلن على رؤس الأشهاد أن عمله إنما هو وحي أستاذه جعفر الصادق، وإلى هذا (المنبع من الحكمة) ترجع كل معرفة جابر، وما هو إلا جامع ومعلق على مؤلفات أستاذه. وربما كان ذلك راجعاً إلى أن جابراً نفسه يأتي في التسلسل الديني في مرتبة تلي مرتبة جعفر الصادق مباشرة، أضف إلى ذلك بعض أساتذته مثل حاربي حميرات، أرهون الحمار، جعفر البرمكي،. ولكن نحن نرى أن كل هذه التأكيدات ما هي إلا افتراءات باطلة إذ أنها متناقضة تماماً مع ما كتبه جابر نفسه في مؤلفاته. وعلى ذلك فإن تلميذ جعفر الصادق المسمى جابر بن حيان يظهر أنه محض اختراع، ونحن ندرك تماماً لماذا تنسب كتب كهذه إلى الإمام جعفر الصادق الذي يعتبر في الأدب الشيعي خير مصدر للعلم اليوناني وخاصة للعلوم السحرية ولعلم الفلك، أضف إلى هذا كله أن جعفر هذا والد الإمام السابع إسماعيل الذي نص على ظهوره في هذه المؤلفات.

ويشير الفهرست إلى بعض الشك الذي يخالج نفراً من الشيعة المعاصرين لأحد أصحابه في صحة نسب هذه الكتب لمؤلفها، وثمة رجل آخر هو أبو سليمان السجستاني المنطقي، يذكر في كتابه (التعليقات) ملاحظة يستنتج منها أنه هو نسفه يعرف المؤلف الحقيقي للكتب التي تنسب لجابر بن حيان، ويسمى أبو سليمان باسم الحسن بن النقاد الموصلي، ولكن على رغم هذه الرواية فإننا نعتقد أن مؤلفات جابر لا يمكن أن تكون من إنتاج رجل واحد رغم تطور التفكير المنسجم فيها. ونحن نعتقد كذلك أن هذا التفكير لم يصل إلى هذا الحد الذي وصل إليه إلا في سنة 330هـ
(البقية في العدد القادمأحمد زكي صالح 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاعتقاد لابن أبي يعلى

  الاعتقاد لابن أبي يعلى  المحتويات المقدمة و خطبة المؤلف سبب تأليف الكتاب:الإيمان بالله وتوحيده:حقيقة الإيمان الإسلام والإيمان ال...